أولاً: التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي المشرع اللبناني يتطلب في التحكيم الدولي شرطاً واحداً هو أن يكون موضوعه نزاعاً يتعلق بمصالح التجارة الدولية. ويكفي أن يترتب على هذه العملية حركة انتقال للبضائع والخدمات أو تسوية عبر الحدود، وبالتالي ارتباط النزاع بأكثر من دولة. وهو بالتالي لا يُحدد شروطاً أخرى لدولية التحكيم، فالتحكيم يكون دولياً لمجرد تعلق الرابطة القانونية محل النزاع بالتجارة الدولية سواء كان التحكيم يجري في لبنان أو يجري في الخارج. كذلك فالتحكيم قد يكون دولياً رغم أن كافة الخصوم لبنانيون. يستوي إذن أن يكون طرفا التحكيم من جنسية واحدة أو مختلفي الجنسية لأن الأساس هو أن يكون النزاع متعلق بمصالح التجارة الدولية. ولا عبرة أيضاً بوقوع المركز الرئيسي لأعمال الطرفين في دولتين مختلفتين. فالتحكيم يكون داخلياً عندما يرتبط بعلاقة قانونية داخلية في كافة عناصرها الذاتية كالموضوع والأطراف والسبب ولا يمكن القول بأنها تتعلق بالتجارة الدولية. • التفرقة بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي: يظهر الاختلاف واضحاً بين (تحكيم دولي- تحكيم داخلي) من النواحي الآتية: 1- لا يصح اتفاق التحكيم الداخلي- بنداً كان أم عقداً- إلا إذا كان يشتمل على تعيين المحكم أو المحكمين بأشخاصهم أو صفاتهم أو على بيان الطريقة التي يعين بها هؤلاء، بينما اتفاق التحكيم الدولي يكون صحيحاً ولو لم يشتمل على هذا البيان. 2- يطبق المحكم أصول المحاكمة العادية في التحكيم الداخلي "العادي" إذا لم يعفه الخصوم من تطبيقها، بينما يطبق المحكم في التحكيم الدولي الأصول التي يراها مناسبة إن لم يرد في الاتفاقية أصولاً حددها الخصوم. 3- القرار التحكيمي الصادر في تحكيم داخلي يقبل الطعن بالاستئناف، بينما القرار التحكيمي الصادر في تحكيم دولي لا يقبل أبداً الطعن بهذا الطريق. 4- القرار التحكيمي الصادر في تحكيم داخلي يقبل الطعن بطريق اعتراض الغير وبطريق إعادة المحاكمة، بينما القرار التحكيمي الصادر في تحكيم دولي لا يقبل الطعن نهائياً. 5- مهما كان القرار التحكيمي وأياً كان نوع التحكيم، يجب ألا يخالف النظام العام، إلا أن مفهوم النظام العام في التحكيم الداخلي يختلف عن مفهوم النظام العام في التحكيم الدولي.
ثانياً: التحكيم العادي والتحكيم المطلق إن المعيار المتخذ أساساً لهذا التقسيم هو مدى تقيد المحكم بالقواعد القانونية. فعندما يكون المحكم ملزماً بالفصل في النزاع وفقاً لقواعد القانون فإن التحكيم يكون عادياً، أما عندما يعفى المحكم من تطبيق هذه القواعد ويحكم بمقتضى الإنصاف والعدالة يكون التحكيم مطلقاً محرراً من القيود العادية. لذا فالتحكيم العادي يسمى أحياناً التحكيم بالقانون. ونظراً لأن وظيفة المحكم تشبه تماماً وظيفة القاضي يسمى أيضاً تحكيماً بالقضاء تعبيراً عن حقيقة الدور الذي يؤديه المحكم هنا وهو دور القاضي. أما التحكيم المطلق فإنه يسمى أحياناً التحكيم بالصلح مماثلاً للأساس الذي تقوم عليه فكرة الصلح، وهو إسقاط ما يراه غير عادل من طلبات الطرفين وصولاً إلى حل يراعي المصالح المشروعة لكل منها. تجدر الإشارة أنه سواء كان التحكيم عادياً أم مطلقاً فإنه يجوز للخصوم تفويض المحكم أو المحكمين التوفيق بين الخصوم فنكون إذن أمام تحكيم عادي لكن المحكم ينجح في إقناع الخصوم بالصلح ويبرمونه بالفعل وتنتهي خصومة التحكيم بطريقة صلحية ترضي الطرفين المتنازعين. أما عندما يكون التحكيم مطلقاً لا يتقيد المحكم بقواعد القانون، وبالتالي يعفى من تطبيقها، ولا يعني أنه "محروم" من ذلك، إذ يمكنه تطبيقها إذا وجد فيها معياراً كافياً للعدالة فضلاً عن أنه ملزم دائماً بتطبيق قواعد القانون المتعلقة بالنظام العام التي لا يجوز مخالفتها. ويلاحظ أخيراً أن الأصل هو التحكيم العادي. ولذلك فإنه إذا قام شك في وصف التحكيم فإنه يعتبر عادياً
ثالثاً: التحكيم الحر والتحكيم النظامي (المؤسسي) يقصد بالتحكيم الحر ما عهد به الخصوم إلى محكم أو هيئة تحكيم تم تعيينهم خصيصاً لحل نزاع معين. أما التحكيم النظامي- أو المؤسسي- فهو التحكيم الذي يعهد به الخصوم إلى مؤسسة أو مركز تحكيم دائم لتتولى الاضطلاع بأعبائه وفقاً للائحة معدة سلفاً لحكم عمل هذه المؤسسة أو المركز التحكيمي. من أمثلة هذه المراكز: المركز الدولي لتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمار بواشنطن، محكمة التحكيم لغرفة التجارة الدولية في باريس، المركز الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي بالقاهرة، مركز دبي للتحكيم الدولي، المركز اللبناني للتحكيم والوساطة. تجدر الإشارة أن مراكز ومؤسسات التحكيم النظامي تعد أشخاصاً معنوية، والمعروف أنه لا تولى مهمة المحكم لغير الشخص الطبيعي، حيث تقتصر مهمتها على تنظيم التحكيم وعلى وضع قوائم بأسماء المحكمين لكي يتولى الخصوم بأنفسهم اختيار من يريدون القيام بالمهمة التحكيمية وحسم النزاع بين الأطراف. وإذا كان لمؤسسة التحكيم الدائمة لائحة تنظم كافة الجوانب الإجرائية التي تحتاجها مسيرة التحكيم، إلا أنه يظل للأطراف رغم ذلك حرية اختيار إجراءات التحكيم التي يتفقون عليها. كما أنه إذا لم يقم الأطراف بهذا الاختيار مباشرة فإن مجرد الاتفاق على إجراء التحكيم لدى هيئة أو منظمة أو مركز معين يعني الإحالة إلى القواعد الإجرائية المقررة لدى هذه الهيئة أو المنظمة أو المركز والتي تكون موضوعة من قبلها سلفاً بشكل واضح لا لبس فيه. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هيئات ومنظمات ومراكز التحكيم الدائم لا تعتبر جهات قضائية، وإنما هي مجرد كيان إداري، يضع تحت تصرف المحتكمين قوائم تحكيمية، ولوائح إجراءاته، ومعارفه القانونية والفنية، وأسماء المحكمين وخبرتهم العملية، كسباً لثقتهم في سلامة التحكيم الذي تديره وصولاً لإصدار حكم التحكيم الحاسم للنزاع والقابل للتنفيذ. لذلك فالقرارات الصادرة منها من شأنها تنظيم التحكيم، كالقرارات المتعلقة باختيار المحكمين وردهم واستبدالهم وبدء الإجراءات وتحديد المهل وتجديدها، وغير ذلك من القرارات التنظيمية التي تصدرها، لا تعتبر أحكاماً قضائية، وإنما هي أقرب إلى القرارات الإدارية أو القرارات المتعلقة بالإدارة القضائية التي تعتبر ضرورة مرحلية للوصول إلى القرار النهائي.
رابعاً: التحكيم الاختياري والتحكيم الإجباري يكون التحكيم اختيارياً إذا كان الالتجاء إليه بإرادة الأطراف، وهذا هو التحكيم بالمعنى الصحيح. ويكون إجبارياً إذا وجب على الأطراف الالتجاء إليه لحل المنازعات المتعلقة بحالات قانونية معينة. والأصل في القانون اللبناني أن يكون التحكيم اختيارياً. ولكن قد يفصح المشرع عن إلزامية عرض النزاع على التحكيم. بل قد لا يكتفي المشرع بذلك وإنما يحدد أيضاً الهيئة التحكيمية التي يتوجب اللجوء إليها ولا يتيح للأطراف دوراً في تشكيلها. فعندئذ سوف يكون التحكيم إجبارياً حيث يوجب على أطراف النزاع الالتزام بما ينص عليه القانون. وتعتبر من تطبيقات التحكيم الإجباري في القانون اللبناني ما نص عليه قانون الضمان الاجتماعي من أن يكون حل بعض المنازعات التي تثور بين المضمون وصندوق الضمان الاجتماعي من اختصاص هيئة مؤلفة من طبيبين: الطبيب المعالج وطبيب الصندوق المراقب ويكون قرارها مبرماً. كذلك تعتبر من حالات التحكيم الإجباري في القانون اللبناني، تسوية النزاع الناشئ عن عقود العمل الجماعية التي تتم بواسطة لجنة تحكيمية، وتسوية الخلاف بين أحد المصارف والمصرف المركزي.
خامساً: التحكيم الخاص والتحكيم القضائي يكون التحكيم خاصاً عندما يتم اختيار المحكمين بمعرفة الخصوم بينما يكون التحكيم قضائياً عندما تكون هيئة التحكيم مشكّلة من عنصر قضائي خالص أو عندما يدخل هذا العنصر في التشكيل. والأصل أن يكون التحكيم خاصاً أي يتم اختيار المحكمين من آحاد الناس بعيداً عن محاكم الدولة. ولكن قد تسمح الدولة للأطراف باللجوء إلى القاضي للفصل في النزاع كمحكم، كما أنها قد تنشأ هيئات تحكيمية من عناصر قضائية وغير قضائية. من ذلك مثلاً هيئات التحكيم القضائي المنصوص عليها في القانون الكويتي. إن التحكيم القضائي هو تحكيم وليس قضاء ولا أدل على ذلك من أن اللجوء إلى هيئات التحكيم القضائي لا يكون إلا باتفاق الأطراف الذي يعتبر الأساس الذي يتم بناءً عليه اللجوء للتحكيم. تجدر الإشارة أنه لا ينطبق على مجلس العمل التحكيمي اللبناني- رغم وصفه بالتحكيمي- صفة المحكم، وإنما هو محكمة من محاكم الدولة. صحيح أنه يضم في تشكيله عناصر غير قضائية، إلا أن اللجوء إليه لا يستند إلى اتفاق الأطراف، إذ هو المختص دون غيره بالفصل في منازعات العمل الفردية، وهو قضاء وليس تحكيماً إجبارياً نظراً لأن قراراته تحوز القوة التنفيذية بذاتها وله شروط خاصة نص عليها القانون. في الخلاصة أنه مهما كان نوع التحكيم المعتمد من قبل أطراف النزاع يبقى الهدف الأساسي هو تسوية النزاعات بالطرق السلمية وخاصة المنازعات التجارية بعد أن أصبحت التجارة العالمية بمتناول الجميع واتساع نطاق سوقها حيث أصبحت عابرة للحدود فكان لزوماً على المستثمرين البحث عن هذا القضاء الاستثنائي لحل نزاعاتهم بسرعة وثقة وسرية وفقاً لمقتضيات العدالة.